استصلح الأرض، أطلق العنان للفرص!
تحت هذا الشعار الذي أطلقته الأمم المتحدة، يحتفي العالم كل عام في يوم 17 يونيو باليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف. يعد هذا اليوم مناسبة للتوعية حول واحدة من أخطر التحديات البيئية التي تواجه العالم اليوم. إذ لم يعد خطر التصحر مقتصرًا على البيئة فحسب، بل بات يؤثر بشكل مباشر على حياة ملايين البشر حول العالم، مساهما في تفاقم أزمات الجوع والفقر وتسريع موجات الهجرة «النزوح البيئي»، مما يشكل تهديدا متزايدًا للأمن الاقتصادي والغذائي والاجتماعي العالمي.
تشير الدراسات إلى أن نحو نحو 5.43 مليون كيلومتر مربع من الأراضي الجافة حول العالم، ما يعادل 12.6% من إجمالي هذه المناطق، قد تعرضت لتدهور بيئي واضح، خلال الفترة ما بين عامي 1982 و 2015. مما يؤثر بشكل مباشر على حياة أكثر من 213 مليون شخص يعيش معظمهم في الدول النامية، ويعتمدون على هذه الأراضي لكسب عيشهم. ما يجعل التصحر قضية بيئية واقتصادية واجتماعية في آن واحد، هو التداخل بين السلوك الإنساني والمناخ الذي ينتج عنه أزمة مزدوجة يصعب فصل أبعادها. لا تعود أسباب التصحر إلى التغير المناخي فحسب، بل تساهم فيه الأنشطة البشرية بشكل رئيسي بنسبة تقارب 80% من حالات التدهور: كالرعي الجائر، وإزالة الغابات، والممارسات الزراعية غير المستدامة
وفق دراسة منشورة في( Nature Communications 2020) تشير الإحصائيات إلى أن أكثر المناطق تأثرا بالتصحر خلال العقود الثلاثة الماضية تشمل:
1- آسيا الوسطى (كازاخستان، منغوليا، أوزبكستان): بسبب تراجع الأمطار الذي تسبب في تآكل الغطاء النباتي.
2- الشرق الأوسط (العراق، سوريا، الأردن): مناطق تواجه أخطار مثل: الاستنزاف المائي والرعي الغير منظم.
3- أستراليا: بسبب موجات الجفاف.
4- شمال شرق البرازيل: اختفاء تدريجي في الغطاء النباتي ضمن المناطق شبه القاحلة.
5- الولايات المتحدة (جنوب غرب): تراجع في خصوبة التربة والغطاء النباتي.
وعلى الصعيد المحلي، وثّقت دراسة علمية نُشرت في ScienceDirect تدهور أكثر من 15.3 كم² من الأراضي الزراعية في منطقة وادي فاطمة وتحولها إلى أراضٍ متدهورة، نتيجة الإدارة غير المستدامة للمياه، والتوسع العمراني على حساب المساحات المزروعة.
وفق دراسة أخرى نُشرت في مجلة MDPI Sustainability عام 2023، تُقدّم منطقة جازان مثالًا عمليًا يمكن من خلاله فهم بعض جوانب التصحر في المملكة، من حيث التغيرات في الغطاء النباتي، ومدى تأثير الإدارة البيئية على استعادة التوازن أو استمرارية التدهور. حيث أوضحت نتائج الدراسة، تحليلًا لصور الأقمار الصناعية في منطقة جازان على مدى عقدين، أظهرت أن المنطقة شهدت تحسنًا ملحوظًا في درجات التصحر؛ حيث تحوّلت مساحات واسعة من الأراضي من تصنيف شديد جدًا إلى شديد ومتوسط، بل وتحسنت أجزاء منها إلى تصحر ضعيف. "وبشكل عام، وعلى مدى فترة الـ19 عامًا، شكلت استعادة المناطق النباتية 41.99% من إجمالي مساحة الدراسة، في حين مثلت الأراضي المتدهورة بالتصحر 15.57% من إجمالي مساحة منطقة جازان.
" J. A. (2023). Assessment of Desertification Dynamics in Arid Coastal Areas: The Case of Jazan, Saudi Arabia. Sustainability
لا تزال التحديات البيئية والإدارية قائمة، وفي مواجهة ذلك تستمر جهود المملكة ضمن رؤية السعودية 2030 متضمنة سن التشريعات والأطر القانونية المناسبة وتنفيذ المبادرات الاستراتيجية، ومن أبرزها:
1- مبادرة السعودية الخضراء التي تهدف إلى زراعة 10 مليارات شجرة وإعادة تأهيل قرابة 40 مليون هكتار من من الأراضي واستعادة المساحات الخضراء الطبيعية في المملكة العربية السعودية.
2-برامج التشجير الوطني: بهدف تقليل الضغط على التربة وتحسين كفاءة استخدام الأراضي.
وهكذا نكون وضحنا عبر منصة بيئتي إن الاستدامة مسعى مشترك، حيث لا غنى عن دور الفرد الذي لا يقل أهمية عن دور المؤسسات في تحقيق الانتقال الحقيقي نحو نموذج بيئي مستدام، من خلال التزامه بممارسات يومية تحافظ على البيئة مثل: الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية و الامتناع عن الرعي الجائر، وعدم قطع الأشجار أو التعدي على الغطاء النباتي، وغير ذلك من الأنشطة التي تساهم في تحقيق الأثر المرجو في مقاومة ظاهرة التصحر.